في بعض الأحيان تصيبك الدهشة وأنت تتابع أحداثا أشبه بالفلكلور في قلب واقع ما كان ليسودّ إلى هذا الحدّ لو آمنّا جميعا بأنه حان الأوان لنكنس الرداءة من جميع طرقاتنا وديارنا وملاعبنا ووزاراتنا وجمعياتنا بمثقفيها ورياضييها...
ما دفعني إلى هذه الديباجة ما حصل مؤخرا في صلب النادي الإفريقي والذي امتدت بشاعته ليصل حد الإضراب والتمنّع عن النزول إلى أرضية التمارين... مما أغضب الجمهور وجعله «يتدخل» بقوة في هذا الشأن الذي يعنيه ويعبّر عن سخطه على اللاعبين والمسؤولين على حد سواء... وإن كنا نفهم ردة فعل هذا الجمهور الذي يدفع من ماله ومن دمه الشيء الكثير فإننا لم نفهم حقيقة إضراب اللاعبين في هذا الظرف بالذات والفريق يتأهب لخوض نصف النهائي الإفريقي... فبالله عليكم هل تصدقون أن لاعبا ـ مهما كان حجمه ومكانه في الإفريقي ـ سيبيت على الطوى إذا لم ينل مستحقاته... وهل تصدقون أن لاعبا ـ أي لاعب ـ في الإفريقي مهدد بفقدان منزله جراء معاليم الكراء أو الشراء... وهل تصدقون أن أي عنصر في «الجمعية» سترتج ميزانية داره بمجرد عدم حصوله على منحة فوز...
هذا كله لن يحدث لأن اللاعب في أي فريق كبير لا يشعر بالضيم ولا يعرف الفقر ولا الخصاصة ولا الفجعات ا لتي يعرفها غيره من لاعبي القوافل والأمل والجليزة وغيرهم... فلاعبو الإفريقي ملفوفون في الحرير ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون...
شخصيا لا أدافع عن جمال العتروس... فلا أنا أعرفه ولا هو يعرفني لكن أجدني مدفوعا إلى الاعتراف بأن هذا «الرئيس» ـ مثل بقية الرؤساء والمسؤولين ـ تكلم كثيرا قبل الانتخابات وفرش الحديقة بالوعود التي تشبه الورود بما جعل كل الأطراف تنتظر أن تصبح حديقة الإفريقي بعد توليه الرئاسة «جنّة وفيها بريكاجي»... لكن هذا الرجل اصطدم بواقع أليم يقول إن ماله لن يكفي ليسكت كل الأفواه الجائعة دوما إلى الأخذ.. وبما أننا نعرف جميعا أن بعض جداول المال انقطعت عن الهيئة من بعض الكبار فإننا نفهم الضيق الذي يعيشه العتروس في خضم لعبة قد تكون أكبر من تجربته ومن سنه...
ماذا قدّموا؟
المضربون سواء حرضوهم على هذا الفعل أم تحركوا من تلقاء أنفسهم نود أن نسألهم سؤالا محددا: ماذا قدمتم للإفريقي لتصبح لديكم الشهامة والشجاعة على الإضراب في وقت يحتاج فيه الفريق إلى الهدوء التام للسير إلى الأمام وإتمام أغلى الأحلام؟
الجواب لن يأتينا منهم.. بل من التاريخ الذي يشهد بأنهم لم يقدموا شيئا بل أخذوا الكثير وصورهم وحالاتهم الاجتماعية وسياراتهم الفارهة و«حجامتهم» وسراويلهم المسايرة للموضة تشهد على ذلك.. فنحن نعرف أغلبهم ممن كانوا يغلقون أبواب منازلهم بـ«عجلة تراكتور» فأصبحوا يفتحون أبوابا أخرى بـ«الكومند» اللهم لا حسد.. لكن على كل هؤلاء دون استثناء أن يتذكروا أنهم داخل القلعة الحمراء والبيضاء التي تفرض عليهم احترام كل شيء من الجدران إلى الملاعب إلى الهيئة والزملاء والأحباء.. وليتذكر هؤلاء أن ما قاموا به ـ رغم أحقيتهم بأموالهم وعرقهم ـ سيبقى وصمة خجل في سجلاتهم الكروية التي تضج بالخيبات.. صحيح أنه على العتروس أن يفي بالتزاماته حتي لا تتشقق جدران الحديقة.. لكن على اللاعبين أن يحترموا ذلك «المريول» وأن الحصول على المستحقات له ألف طريقة.. وطريقة...
على جناح الألم
والله لو جمّعنا عدد مباريات كل لاعبي الإفريقي الحاليين فلن تطال عدد مشاركات الحارس الأسطورة عتوقة الذي أهدى لفريقه ثماني كؤوس قبل أن يتنكر له الرجال والأيام.. فكان أن قزّموه وعملقوا مثل هؤلاء الأقزام...
سليم الربعاوي